المقدمة: حماية الكرامة الإنسانية وتعزيز الأمن المجتمعي

يُعد الحفاظ على كرامة الإنسان وصون الأمن الاجتماعي من الركائز الأساسية التي يقوم عليها النظام القانوني في المملكة العربية السعودية. وانطلاقًا من هذا المبدأ، صدر نظام مكافحة جريمة التحرش لعام 1439هـ (2018م) ليشكل إطارًا نظاميًا واضحًا وصارمًا لمواجهة جميع صور التحرش، وتجريم أي سلوك يمس الحرية الشخصية أو يخدش الحياء العام.

يهدف النظام إلى حماية الضحايا وضمان سرية بياناتهم، وترسيخ بيئة آمنة في العمل والتعليم والمجتمع، خالية من أي إساءة جسدية أو لفظية أو إلكترونية. كما يُعد هذا النظام تجسيدًا لالتزام المملكة بالقيم الإسلامية والمجتمعية التي تحرّم الأذى والاعتداء على الآخرين، وتؤكد احترام الإنسان وحقوقه.


أولًا: تعريف جريمة التحرش في النظام السعودي

اعتمد النظام تعريفًا شاملاً لجريمة التحرش، يراعي تطور السلوكيات ووسائل الاعتداء، حيث عرّف التحرش بأنه:

«كل قول أو فعل أو إشارة ذات مدلول جنسي، تصدر من شخص تجاه أي شخص آخر، تمس جسده أو عرضه أو تخدش حياءه، بأي وسيلة كانت، بما في ذلك وسائل التقنية الحديثة.»

ويُفهم من هذا التعريف أن الجريمة تشمل:

  • التحرش اللفظي

  • التحرش الجسدي

  • التحرش عبر الوسائل الإلكترونية والتقنية الحديثة

كما أكد النظام أن قيام الجريمة لا يرتبط بجنس المجني عليه، سواء كان ذكرًا أو أنثى، ولا بمكان وقوعها أو صفة أطرافها، مما يعكس شمولية الحماية التي يوفرها النظام.


ثانيًا: العقوبات الأصلية لجريمة التحرش

وضع نظام مكافحة جريمة التحرش عقوبات أصلية رادعة تهدف إلى الحد من انتشار الجريمة، وتحقيق الردع العام والخاص، وهي:

  • السجن: مدة لا تزيد على سنتين

  • الغرامة المالية: لا تزيد على مائة ألف ريال سعودي

ويجوز للمحكمة الحكم بإحدى هاتين العقوبتين أو الجمع بينهما، بحسب جسامة الفعل وملابساته.


ثالثًا: الظروف المشددة والعقوبات المغلظة

لم يكتفِ النظام بالعقوبات الأساسية، بل شدد العقوبة في الحالات التي تزداد فيها خطورة الجريمة، حيث تُغلظ العقوبة لتصل إلى:

  • السجن: مدة لا تزيد على خمس سنوات

  • الغرامة المالية: لا تزيد على ثلاثمائة ألف ريال سعودي

  • أو الجمع بين العقوبتين

أبرز حالات التشديد النظامية

تشمل ظروف التشديد، على سبيل الحصر:

  • إذا كان الجاني والمجني عليه من الجنس نفسه

  • إذا وقعت الجريمة في مكان العمل أو الدراسة أو الإيواء

  • إذا كانت للمجني عليه مصلحة مباشرة مرتبطة بالجاني، أو استُغل النفوذ الوظيفي

  • إذا كان المجني عليه طفلًا أو من ذوي الاحتياجات الخاصة

  • إذا كان الجاني معتادًا على ارتكاب جريمة التحرش

ويُظهر هذا التشديد حرص المشرّع على حماية الفئات الأضعف، وتجريم استغلال السلطة أو الثقة بأي صورة.


رابعًا: حماية المجني عليه والمبلّغ في النظام السعودي

أولى النظام اهتمامًا خاصًا بحماية أطراف البلاغ، إدراكًا لحساسية هذا النوع من الجرائم، وذلك من خلال:

1. ضمان السرية

  • كفالة سرية بيانات المجني عليه والمبلّغ

  • عدم الكشف عن الهوية إلا في نطاق ضيق تقتضيه إجراءات التحقيق

2. حماية المبلّغ

  • حظر أي إجراء تمييزي أو انتقامي ضد من يبلغ عن جريمة تحرش

  • التأكيد على أن البلاغ الكيدي أو تقديم معلومات غير صحيحة يُعد جريمة تستوجب المساءلة النظامية

ويهدف ذلك إلى تشجيع الإبلاغ، وكسر حاجز الخوف أو التردد، دون الإخلال بضمانات العدالة.


خامسًا: الالتزامات المؤسسية للجهات العامة والخاصة

ألزم النظام الجهات الحكومية والخاصة باتخاذ تدابير وقائية، من أبرزها:

  • وضع سياسات داخلية لمنع التحرش

  • إنشاء آليات واضحة لتلقي البلاغات

  • التعامل مع الشكاوى بسرية وجدية

  • اتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة بحق المخالفين

ويُعد هذا الالتزام جزءًا من المسؤولية النظامية للمنشآت في توفير بيئة عمل وتعليم آمنة.


الخاتمة: منظومة متكاملة للردع والحماية

يمثل نظام مكافحة جريمة التحرش في المملكة العربية السعودية إطارًا قانونيًا متقدمًا يوازن بين تجريم السلوكيات المسيئة وحماية كرامة الإنسان وخصوصيته. فلم يقتصر دور النظام على فرض العقوبات، بل امتد ليشمل الوقاية، والسرية، وحماية المبلّغ، وإلزام الجهات باتخاذ إجراءات فعّالة داخل منشآتها.

ويظل نجاح تطبيق هذا النظام مرهونًا بوعي المجتمع والمؤسسات بأهمية الإبلاغ وعدم التسامح مع أي صورة من صور التحرش، بما يحقق الردع العام، ويعزز الثقة في المنظومة العدلية، ويكرّس بيئة آمنة تحفظ الحقوق وتصون الكرامة الإنسانية.